الأحد، 18 مارس 2012

خصلات رمادية الجزء الثانى "حياة جديدة"


" كأننى ارقص غير عابئة بما يجرى من حولى فى مكان واسع – ارض واسعة- تكاد تكون خاوية تماما ، ليس فيها من شىء بالكاد ارى لها من نهاية ، و كأننى كنت احاول ان احلق برقصتى للأعلى كطير يتعلم الطيران ، و حين اوشكت قدماى ان تكون مرتفعة تماما ، أٌجد المكان من حولى قد بدأت تتكون له جدران ، اراها قد بدأت تبنى من حولى حتى اكتملت تماما ، حتى انها بدأت تشغلنى عما كنت افعل ، احاول الطيران مرة اخرى بيداى و لكن دون جدوى فقد بدأ الخوف يدب فى كل حركة لى ، كلما رأيت تلك الجدران على جانبى تقترب منى اكثر ببطىء و لكنها مستمرة فى التقدم كأنها تتوغل اكثر ، تريد ان تسيطر على ، فأعود لانظر الى الامام غير مبالية بما يحدث لها ، على بعض بضع خطوات منى و فى نهاية هذا الطريق، ارض واسعة ، اناس تعودت رؤيتهم ، اعرفهم جيدا ، يمرون فيها كأطياف بشر . لا يعيقهم شىء فيما يفعلون من فوقهم تمر تلك السحب البيضاء كالطيف هى الاخرى لا شىء يضاهى جمالها فى هذة اللحظة ، فأعود لأحاول الطيران كى اصل اليها من جديد، و لكن بدأت لأشعر ان روحى منذ الآن مقيدة....محاسرة  داخل تلك الجدران أصبح من الصعب على التحرك....من الصعب على ان احلق....من الصعب على ان اطير، لم يعد يملىء المكان الأن سوى فراغ الليل و عتمته . سواده الاعظم. غيوم تتسرب كل لحظة إلى اكثر و تمضى كما انا امضى  محاولة الهروب من سيطرتها على و كأنها ترغب فى الانقضاض على و لكن باتت حركتى اثقل، جناحى اعجز، فقط احساس بثقل حركتى ،ان ما يحدث لى الأن يمر مثل  مشهد بطىء ،بدأ هو الاخر يسيطر على الصورة من حولى و  فى كل لحظة يتسرب الى اكثر يمسك  بكل جزء من جسدك الذى بات منذ لحظة اضعف و اثقل....فأشعر بالحركة اثقل و اثقل ، احتاج الآن لمجهود مضاعف لاستطيع التقدم ثقل اقرب الى الشلل التام شعور  قاتل ...

احاول ان امنع بيداى العاجزتان تلك الجدران عنى ، اتمنى لو استطيع تحطيمه بضرباتى الضعيفة  و لكن  قوته كانت هى الاقدر على انه يضيق بى اكثر ،اشعر بالاختناق و الخوف اكثر ، فى ظلمته و كأن شىء يتحرك ورائى تماما يحاول الوصول إلى ، اخشى ان يكون هو الاخر يريد التهامى خطواته المتلاحقة تربكنى اكثر فتخر قواى اكثر و اكثر و اشعر انى سأقع من شدة الرعب و الفزع ، احاول الا انظر خلفى و اجاهد ربما استطيع التقدم و لو خطوة واحدة لم يبقى لى سوى تلك الحركة الباهته ، ارتعش ، لقد بدت لى يد تمتد للامساك بى ، فحاول ان امر فى هذة المكان الذى بات اضيق حتى من ان يتسع لاستيعاب حيز وجودى فلا شىء يوقفه ، بدأت اشعر و كأنه يكسر عظامى فصوت تكسيرها بدأ يرن فى اذنى ، الأن و قد تغيرت الصورة تماما من امامى كل من كانوا هناك باتت صورتهم مشوشة اكثر ، لا استطيع تميزها و قد بدأت فى ان تتداخل و كأنها ستتلاشى قريبا ، احاول ان اصرخ ربما سمعوا بى ، و استطاعوا ان ينقذونى مما انا فيه الآن " انا هنا " أنا هنا " "هلا تنقذ" ، " انا ...... إن صوتى هو الاخر لا يبدو ظاهرا لن يسمعنى احد ، لن ينقذنى احد ، و قد بات ذلك الشبح يبدو واضحا اكثر لى على بعض خطوات بسيطة عنى ، ربما هى خطوة واحدة و يقبض على و ينهينى تماما ، ما هذا الحال ، ربما اموت حتى قبل ان يصل إلى فلا يمكن تحمل الأمر اكثر من ذلك ، انه هو ملامحة مخيفة و مشوهة تماما يداه القابضتان تقترب اكثر ، حينها حاولت ان التقط انفاسى اسرع كى احاول الصمود ، لن اعد قادرة ، انه هنا يده تكاد تمسك بذراعى ، لا اقدر على المقاومة ، لا استطيع البقاء ،لا ...لا....لا......ااااااه"
فى تلك اللحظة التى ظننت اننى انتهيت تماما و قد تلاشت كل الصور من امامى و اصبحت سواد مظلم و ساد الصمت القاتل، فأفتح عيناى . وأجد نفسى جالسة على هذا السرير و قد استجمعت كل قواى لأجلس هكذا و تتلاحق انفاسى و دقات قلبى ، رأسى تألمنى ، قد انقبض صدرى ، احاول ان ادرك ما انا عليه الآن .فاجد نفسى وقد كنت احلم ، فأتذكربما تبقى لى من إدراك انه ذلك الكابوس الذى لا يتخلى يوما عن زيارتى طيلة ليلاتى السابقة، و ها هو يأتى اليوم إلى ايضا. و فى كل مرة احاول ان اجد له تفسيرا مغايرا لما انا عليه ، و لكن اشعر فى كل مرة انه صورة لما يحدث لى الأن فى هذة الدنيا ، و كأنه اضغاس احلام تراودنى فى كل ليلة ،فتحاول تجسيد ما يدور بعقلى الباطن ، تلك الحال التى  تسيطر على طوال الوقت.
محاولة النهوض عن سريرى لأرى فى اى وقت نحن الآن ، فأنظر من خلال هذة النافذة التى لا يبدو منها سوى القليل بعد ان كستها تلك التلال من الثلوج البيضاء التى باتت تحجب الرؤيا لأجد ان الحال لم يختلف كثيرا ، فهنا لا يوجد فرق بين النهار و الليل من كثرة السحب التى تملىء السماء فوقى فهى لا تبطل ان تمطر او تنزل ما فيها من ثلوج فتغطى المكان اكثر فأكثر و لكن يعود الشارع و كأنه قد دبت فيه الحياة مرة اخرى مثل كل صباح و حينها ادرك اننى فى الصباح ، فحركة الناس هنا هى التى تحدث الفرق ، و إن تلاشوا يكون النهار قد تلاشى معهم ،
لم يكن هذا هو الحال فى بلادى البعيدة التى اود الرجوع إليها مرة اخرى، كان الناس هناك لا يختلف عندهم النهار أو الليل فى ان يعيقهم عن الحركة فقد كانت شوارعها مزدحمة اناء الليل و اتراف النهار، لا احد يمل من البقاء خارج المنزل ، لا احد يخشى الخروج ليلا او التسكع فى شارع فلا يوجد شارع فى بلادنا يشعر بالفراغ مثل هذة الشوارع الباردة ، كما ان الشمس كانت تزور سمائها فى كل صباح صيفا و شتاءا كنا نستطيع ان نفيق على ضوئها الساطع و دفئها القوى فى كل صباح دون حاجة للنظر فى الساعة لنعرف ، او دون حاجة لمراقبة الشارع لنرى بداية الحركة ، كان لبلادى رائحة وروح خاصة . لا اعلم ان كان ذلك الحال فى بلادى لازال على ما هوعليه ام تغيير. لقد اشتقت إليها كثير. فأنا لم ارها منذ وقت طويل ، وقد مر على وجودى هنا اكثر من عشر سنوات. لم اعرف فيها اى شىء عن موطنى الاصلى إلا فى التلفزيون و الذى لم أعد اشاهدة منذ وقت طويل ، حتى لا تأتينى تلك الذكريات نازحة ، فأبدأ فى الوقوع داخل بئر الغربة الذى ليس فيه سواى،انا وحدى.
اشعر بالاغتراب تماما ، كان لى بلاد غريبة عن هنا تماما -مثلى تماما-  يختلف الناس فيها عن من يعيشون هنا فبيننا فارق كبير ، لم اعد اعلم الان اى الاثنين هو الأفضل ،لكن ما اعرف الان اننى ارغب فى ان يعود ذلك الماضى البعيد ، الذى لن استطيع ان اعيده . وإن حاولت. فلا جدوى مما يدور فى عقلى و لكن لا اقدر ان امنع عقولى عما يدور فيه ، فالعقل هو من يتحكم فيما نفعل و ليس نحن من نتحكم به ، لقد بات عقلى اكثر قدرة منى على الحركة ، بل بات هو الشىء الوحيد الذى يتحرك داخلى ، لا شىء آخر فى يملك القدرة على الحركة سواه هو.
هوفقط ، فما لى الآن من فقط  البقاء داخل هذة الحجرة ، اجلس امام تلك النافذة  لاتذكر.
-"مالى لا ارى تلك الصورة التى رسمتها وقتما جئت الى هنا لهذة البلد ؟"
-" ماذا تغير فيها ؟"
- "ربما هى لم تتغير بل انا من تغيرت ؟
 -"ربما انا لم اتغير و لكن ادركت فقط حقيقة الأمر، ادركت حقيقتى. ادركت حقيقة ما فعلت ؟ "
فلطالما كنت مقتنعة بأن المكان لا يتغير و لكن من فيه هو من يتغيرون او يدركون ، فالمكان لا يملك القدرة على تغير ما فيه ، و لكن من فيه هم فقط من يستطيعون ان يغيروه ، و يجعلوه مختلف تماما ، لأن المكان لا يملك عقلا ليتحكم او يسيطر على ما يدور فيه ، و لكن للبشر فقط العقول التى يفعلون بها كل شىء و يغيرون بها كل شىء ، و لكنهم تحت سيطرة الزمن ايضا ،  فإن كل من حاول ان يفرض صورة على مكان ما قد يغير الزمن حاله فيتغير و لكنه يترك المكان من حوله على نفس الصورة التى جعله بها ، حتى يأتى من يغيره مرة أخرى .
و اعتقد ايضا ان لكل مكان روحه الخاصة ، التى تجعله يختلف عن غيره .
-"فبلادى تختلف تماما، عن هذا المكان و هذة البلاد البعيدة"
لقد كنا زمان نظن ان هذة البلاد بعيدة فقط لأنها تبعد عنا كل هذة المسافات ، و لكن حين اتيت إلى هنا ، ادركت تماما حقيقة اننا سميناها بعيدة ، ليس فقط لبعد المسافات و لكن لبعدها عن روحنا و طريقتنا فى عيش الحياة ، فربما نكون نعيش فيها و لكنها لاتزال بعيدة ، لقد كنت اشعر بنفس هذا الشعور فى بلادى القريبة الى البعيدة عنى الان ، لقد كنت اشعر انها بلدا بعيدة عنى تماما ، و لكننى ادركت اننى جزءا منها ، فهى لن تتغيير و لا انا ، لأنى ولدت من نفس روحها ،
"فالروح لا تتغير حتى لو اختلفت الانفس "
مالى اتحدث الآن هكذا لقد كنت استهزىء بكل من كان يحاول ان يخبرنى بها ، و اظن انه شخصا يستعرض بما يمكله من كلمات و جمل ثقيلة على اللسان .لقد كنت لا اعير اهتماما لكل هذا ، و لكن على يقين تام بأننى لست قريبة لبلادى و ليس لى فيها ما يجعلنى انتمى إليها ، حتى اتيت إلى هنا و ها انا الآن اتكلم مثلهم تماما . و لا اعرف ما الذى تغير حقيقة فى الأمر .

لقد مر على وجودى هنا حوالى عشر سنوات ، ادركت فيها الكثير الكثير جدا ، و بالامس اتممت  عامى العاشر مع هنا . و لهذا كنت لا اريد ان اتذكر بالامس كم مر من الوقت على هنا فى هذة البلاد البعيدة ، فقد جئت إلى هنا فى 10 مارس منذ عشر سنوات ، يوم مولدى ، الذى قصدت ان اتى فيه إلى هنا رغبة منى فى بدء حياة جديدة مع أول يوم لى فى عامى الرابع و العشرون............



الخميس، 15 مارس 2012

خصلات رمادية الجزء 1


خصلات رمادية الجزء الأول
فى داخل حجرة صغيرة داخل بيت قديم بالى تطل نافذتها الوحيدة و الصغيرة و التى باتت مغلقة منذ ان تكدست الثلوج حول اركانها ، تطل على ذلك الطريق الطويل الساكن ، الذى غلفه الليل بظلمة موحشة ،به شجرة كبيرة تسكن بالقرب من المنزل ، هذة الشجرة । التى تساقطة اوراقها على جانبى الطريق و كلما مرت بها الرياح تبعثرت اوراقها بعيدا اكثر ،انها تشبهنى تماما ، و تلك الاوراق من عمرى و التى مرت و لا املك ان اعيدها او الملمها من جديد فما سقط من اوراق باليه لا يعود لينمو من جديد .

فى هذا الشارع ايضا و بين جناحى الليل تخترق العتمة بين حين و آخر بعض الاضواء لسيارات مسرعة ،ومضات تمر امام عيناى فتصدمنى بنور قوى، و مع كل صدمة اغمض عينى ... فتمر على آحداث حياتى التى عشتها فى هذة الدنيا ، بالكاد استطيع ان محاولة إنكار حدوثها و لكن بلا جدوى.

و إن حاولت ان احول عينى دون النظر الى الطريق تداهمنى تلك الجلسة البائسة ، اربعة جدران ، الوانها باهتة ساكنة، رسم على كل منها شرخ قديم بائس مثلى تماما ، هنا اجلس بين هذة الجدران ، مع هذة القطع من الاثاث البالية المتجمدة و كأنها قد تأثرت بحالة الجو من حولى مثلى تماما ، ففى الغرفة سكون تام ، ليس فيه و فى من حياة ، كل ما حولى بائس باهت لا يتغير ، إلا تلك الساعة التى علقت على احد الجدران و التى انا فى اتجاهها تماما ، اجلس على سريرى القديم الذى بالكاد يحتملنى الآن ، أشعر و كأنه بات يكرهنى ، و كأن المكان كله يكرهنى ، بل يمكن ان اقول اننا اصبحنا فى حالة صمت تام ، كل منا يتربص بالآخر ، و كأن الاشياء من حولى تحاول ان تطبق على انفاسى فأموت قبل ان ينتهوا هم ، بتنا بين لحظة و أخرى ينتظر كل مننا من سيموت قبل الثانى . فربما استطاعت تلك الجدران ان تنهار من فوقى فتنهينى بإنها تملك تلك الشروخ التى من السهل عليها ان تجعلها تتصدع فتنقلب الدنيا و يتغير هذا الحال الى آخر .... لا اعلم الى متى سنظل على هذة الحالة الكل فى حالة انتظار ساكن ثابت على طريقته ، و تلك الساعة التى تسكن معنا ، تستطيع ان تلعب دور المحرك للاحداث كلما دقت و لكن فى سكون ، و مع كل دقة تشعرنى بأقتراب لحظة ما لا تأتى ابدا تذكرنى بكل لحظة مرت بى ، تؤرجحنى مع كل حركة بين ذكريات الماضى ، مجهول المستقبل الذى اعيش بينهما فى صمت تام ، صمت قاتل ، "للزمن مفعول سحر فى تقلب الاحوال" ، احوال البشر و الاشياء احوال الكون كله .

اليوم هو عيد ميلادى الرابع والثلاثون ، لم اكن اتذكر فقد فقدت منذ وقت طويل شعور الاحساس بالزمن، غير ان امر حياتى لم يعد يعير اهتمامى كثيرا ، لم اكن اتذكر كم من العمر قد مر بى و لكن منذ ان عرفت ، كما اننى لم اعد اشبه من يماثلونى فى العمر فقد اصبحت أمرأة بائسة عجوز باليه باهتة مثل هذا المكان الذى اسكنه ، فلم يعد لى من أمر افعله فى هذة الدنيا سوى الانتظار ..... الانتظار ليس اكثر ، فقط ما بات يجعلنى غير قادرة على التماسك هو ما مر بى من احداث فى هذة الدنيا لا استطيع انكاره او اخفاءه عن نفسى ، و هذا الحال الذى وصلت إليه بعض كل هذة السنوات ، لا ادرى كم تبقى لى فى هذة الدنيا ؟ و لا ادرى كيف يمكن ان استعيد ما فات ، فما فات لا يعود ابدا؟ .كيف وصلت الى هذة الحالة الآن و كنت اظننى سأقوم بالكثير ، كنت اظن ان حالى لن يكون هكذا يوما ما .

اليوم هو عيد ميلادى الرابع و الثلاثون .

منذ قليل كان هو من جعلنى اعود لأتذكر ، كان هو ذلك البائس الساكن مثل كل ما حولنا يائس منى و مثلى تماما ،لقد سيطر عليه هذا الزمن ايضا ، الزمن الذى وحده يملك القدرة على السيطرة على كل الاشياء تحت قوة مفعوله السحرى المستبد، بات كئيبا غريبا ...غريبا عنى ، لم اعد اعرفه ، و لم اعرفه من قبل ، لم اعد اريد ان اعرفه ، او ارغب فيه ، لا اريد ان اتذكر كيف التقينا و كيف بتنا هنا يحتمل بعضنا الآخر ، نجلس فى ترقب من فينا سينتهى قبل الآخر .لم تعد ملامحه كما هى ، لم يعد تلك الشمس المضيئة التى اضائت لى طريقا كنت اظنه سيخلصنى مما انا فيه ، كنت اضنه طريق المستقبل بالنسبة لى .

بتنا لا نجيد التصنع بالحب والعشق مثل ما كنا ،اصبحانا اثنان غرباء ، لا يعرف كل منهم الآخر ، و ربما يندم كل منا على انه تعرف يوما ما على الآخر، كانت تبدو الحالة واضحة منذ البداية و لكننا كنا نحاول ان نكذب انفسنا ، لنمضى معا فما كان لنا امر سوى هذا لبدىء طريق جديد ، اضننا وصلنا لنهايته بشكل سريع و قوي ، اثنان غرباء فى بيت غريب بشارع غريب و كئيب ، و بلاد غريبة، بلاد بعيدة ، بعيدة عن حقيقتنا تماما ، و لكن يبدو ان كل منا قد استسلم لحال الزمن و رضى ان يبقى فى انتظار حتى النهاية ، النهاية التى لا تآتى ابدا .

-اين كنتى لقد انتظرت على الباب طويلا ؟

-اين مفتاحك ؟

- لقد اضعته....

-................

-اين كنتى الم تسمعى صوت طرقات الباب؟

-...............

-هل اصاب الصمم اذنك و ابكم لسانك؟

-....................................

- لماذا لا تجيبى ؟ ها

حتى صوته تغيير ، صوته الذى كان فيه من الدفىء ما يكفى لاحيائى بعد ذلك البرد القارس الذى كنت اعيشه ، بات اليوم يشعرنى بالاعياء و الخوف الشديد كلما نطق بأى حرف

و بعد لحظة قاتلة من الصمت.

- ماذا بك ، لما لا تجيبى على؟

لقد ماتت رغبتى بالكلام ....فرغ لسانى من لذه التحدث ، بات ملجما غير قادر على النطق بالمزيد حتى اصابه الخرس و الصمت المقيت المسيطر على الكون من حولى ، لم يعد هناك المزيد لاتحدث عنه .

- هل اصابك الخرس؟

-اين الاقراص المنومة.

- فقط عنها تتكلمين ... لم تعودى تتحدثى إلى، إلا لتسألى عن الاقراص ، هل بت مدمنة.

- اخبرنى هل احضرتها

- لا لم احضرها.

- لما لا ، لقد بدأ مفعول القرص الاخير يذهب بعيدا ، و بدأ الصداع يملىء رأسى من جديد

ماذا سسس..أفعل الآن... لماذا لم تحضرها؟

-عليك ان تتخلصى من تأثير تلك المخدرة . فلم يعد هناك من يبيعها ، لانها خطيرة و غير قانونية.

- ماذا سأفعل الآن ؟

- عليك ان تفيقى قليلا من هذة الحالة

- ماذا سأفعل الآن؟

مضيت من امامه دون ان اضيف اى كلمه اضافيه ، " ماذا سأفعل الآن؟" ظللت ارددها الى ان دخلت الى هذة الحجرة ، مقبرتى الخاصة ، كنت ارددها حتى لا استمع إليه و بين كل سكتة كان يردد

-ها انت الأن كعادة كل يوم تدخلين الى غرفتك حين يبدأ اى حديث بيننا ، تكرريين تلك الكلمات ،انت لا تجيدين فعل اى شىء سوى هذا الذى تفعليه كل مرة ،الى متى ستظلين هكذا . لقد اصبحت امرآة بائسة ، عنيدة ، تائهة ، غائبة و غريبة ، الى متى ستكونى على هذة الحالة ، متى سينتهى هذا.

كنت احاول الابتعاد عنه و هو يردد تلك الكلمات التى تشبه حين تخرج من فمه طلقات الرصاص لتصيبنى بحالة من الزعر ، الذى يصيبنى فى كل مرة بنزيف حاد فى اعماقى ، يصعب على احتماله ، و تزيد من احساسى بالرغبة فى تلك الاقراص المخدرة التى تجعلنى اختبىء خلفها فى عالم ليس فيه سوى الهلاوس ، والوهم ، مما يبعدنى عن تلك الحالة من التذكر و التألم الدائم التى اعيش فيها . ربما اكرهه و اكره كلماته التى فيها من الحقيقة ما يجعلنى لا استطيع احتماله ، فمنذ وقت طويل اردت ان اخفى تلك الحقيقة عنى ، راحة و غياب عن ادراك الواقع الذى انا عليه الآن ، ماذا سأفعل الآن ؟ و على الرغم من محاولتى للتخلص من صوته بترديد ذلك السؤال الى اننى كنت فى داخلى لا اعرف ماذا سأفعل الآن فكان الامر يبدو فى البداية حيلة صغيرة الى انه فى الحقيقة سؤال يدور فى عقلى طوال الوقت لا استطيع التخلص من محاولة ايجاد حل عليه ، إشكاليه معضلة اقف دائما امامها دون جدوى و دون راحة ، كان حلى الوحيد فى ان اصاب بحالة من الغياب . فما بقى لى الآن سوى حالة من الغربة و الاغتراب عن نفسى و عن هذا المكان الذى ليس بينى و بينه يوجد اى شىء من التقارب .

فدخلت الى حجرتى البائسة الصغيرة احاول ان الهى نفسى اناقض حالى اوهمنى كما تفعل تلك الاقراص المخدرة و لكن بمجرد مرورى بتلك المرآة البائسة ، و انظر الى صورتى فيها لجده على حق تماما فيما يقول .

أمرآة بائسة تائهة غبية و عنيدة.

" اليوم هو عيد ميلادك الرابع و الثلاثون العاشر من مارس الا تذكرين هذا ايضا؟"

كان يعلم تماما اننى توقفت عن ترديد سؤالى ، و كنت اعلم انه الآن يحاول قتلى بتلك الكلمات ، لم اعلم كيف اختار هذة اللحظة تماما ، و التى كنت حينها اقف امام المرآة اتفقد حالى البائس ، انه يقصد ان يخبرنى بذلك حتى يصيبنى بالفزع لانه يدرك تماما ما هى الحالة التى انا عليها و يعرف تماما اننى ما عدت ارغب بتذكر هذا حتى لا يصبنى الانهيار ، فإنه يعلم منذ فترة اننى بدات اقلق كلما مر الوقت ، و يعلم تماما اننى اكره مرور الوقت . و اكره ان اعرف فى اى عام انا الآن حتى لا تتفجر داخلى تلك المشاعر المقلقة الخاصة بسنواتى التى مدت دون عودة . لقد بدأ ينفذ تلك الخطة القاتلة للتخلص منى سريعا ، قبل ان ينتهى هو ، ربما اراد بعد كل حالات التربص و الترقب بيننا ان يبدأ هو فى انهاء امرى قبل امره .

و لابقى انا امام مرآتى اتفقد هذة الصورة لى و التى لا تتغير إلا للاسوء ، أمرآة باهتة ملئت وجهها التجاعيد من فعل الزمن و الحياة بها ، عينان تشبه الموتى ووجه شاحب و روح تائهة ، و تلك الخصلات الرمادية التى باتت تخطو داخل الظلام فى رأسى لتسطع بنور وهاج يجعلها تبدو ظاهرة واضحة اكثر ، لتذكرنى هى الاخرى بكل ما فيه انا الآن و ما اصبحت عليه ، و ما لا اعرف ماذا يمكن ان افعل .

و بين دقات الساعة وجدران هذا المكان و بين احضان سريرى ، اضاجع الوهم و امارس فعلتى اليومية التى تندو بنفسى اكثر و اكثر، فيعلو صوت انفاسى محاولة الهائى عما يحدث لى فى هذا العالم فيشاركنى ذلك السرير بصوت ضعيف صادرمن هزاته المتلاحقة يحاول مجاراتى حتى استطيع النوم احول ان اجهد جسدى وعقلى بالهروب فى احضان النشوة من نفسى. داخل نفسى و بنفسى . و فى تلك اللحظة و حين تمر اصابعى الضعيفة بين خصلات شعرى الرمادية اعود فادركت الحقيقة ، فأعلم اننى حتى ما عدت املك تلك القدرة على الهروب و لو لوقت قليل قليل جدا فتخر قواى و سريعا ما انهار فأتوقف.لأبقى مثل جثة هامدة شاحبة الوجه منهكة القوى متلاحقة انفاسى مفتوحة عيناى تحلق فى سقف هذة الغرفة المتهالك فى ثبات تام ولكن لا يزال عقلى لا يتوقف فيغوص فى اعماق الافكار و الاسئلة اللا متناهيه دون نوم يتخبط بين سنوات الماضى و مجهول المستقبل نمضى و نجهل تماما ما سيحدث و يبقى السؤال فى داخلى يتكرر

- " ماذا سأفعل الآن؟" "متى ستأتى النهاية؟".

.يتبع.........

مرام عبد المقصود

10مارس2012

Mramahmed_88@yahoo.com