كبالتنى بالقيد ليلة عرسى قصافتنى و برتنى اخضر النوار على عودى
حكايات رائحة القهوة (ميم -رام )
السبت، 6 يوليو 2013
رقصة للحياة - و رقصة للموت
كبالتنى بالقيد ليلة عرسى قصافتنى و برتنى اخضر النوار على عودى
الأحد، 18 مارس 2012
خصلات رمادية الجزء الثانى "حياة جديدة"
الخميس، 15 مارس 2012
خصلات رمادية الجزء 1

فى داخل حجرة صغيرة داخل بيت قديم بالى تطل نافذتها الوحيدة و الصغيرة و التى باتت مغلقة منذ ان تكدست الثلوج حول اركانها ، تطل على ذلك الطريق الطويل الساكن ، الذى غلفه الليل بظلمة موحشة ،به شجرة كبيرة تسكن بالقرب من المنزل ، هذة الشجرة । التى تساقطة اوراقها على جانبى الطريق و كلما مرت بها الرياح تبعثرت اوراقها بعيدا اكثر ،انها تشبهنى تماما ، و تلك الاوراق من عمرى و التى مرت و لا املك ان اعيدها او الملمها من جديد فما سقط من اوراق باليه لا يعود لينمو من جديد .
فى هذا الشارع ايضا و بين جناحى الليل تخترق العتمة بين حين و آخر بعض الاضواء لسيارات مسرعة ،ومضات تمر امام عيناى فتصدمنى بنور قوى، و مع كل صدمة اغمض عينى ... فتمر على آحداث حياتى التى عشتها فى هذة الدنيا ، بالكاد استطيع ان محاولة إنكار حدوثها و لكن بلا جدوى.
و إن حاولت ان احول عينى دون النظر الى الطريق تداهمنى تلك الجلسة البائسة ، اربعة جدران ، الوانها باهتة ساكنة، رسم على كل منها شرخ قديم بائس مثلى تماما ، هنا اجلس بين هذة الجدران ، مع هذة القطع من الاثاث البالية المتجمدة و كأنها قد تأثرت بحالة الجو من حولى مثلى تماما ، ففى الغرفة سكون تام ، ليس فيه و فى من حياة ، كل ما حولى بائس باهت لا يتغير ، إلا تلك الساعة التى علقت على احد الجدران و التى انا فى اتجاهها تماما ، اجلس على سريرى القديم الذى بالكاد يحتملنى الآن ، أشعر و كأنه بات يكرهنى ، و كأن المكان كله يكرهنى ، بل يمكن ان اقول اننا اصبحنا فى حالة صمت تام ، كل منا يتربص بالآخر ، و كأن الاشياء من حولى تحاول ان تطبق على انفاسى فأموت قبل ان ينتهوا هم ، بتنا بين لحظة و أخرى ينتظر كل مننا من سيموت قبل الثانى . فربما استطاعت تلك الجدران ان تنهار من فوقى فتنهينى بإنها تملك تلك الشروخ التى من السهل عليها ان تجعلها تتصدع فتنقلب الدنيا و يتغير هذا الحال الى آخر .... لا اعلم الى متى سنظل على هذة الحالة الكل فى حالة انتظار ساكن ثابت على طريقته ، و تلك الساعة التى تسكن معنا ، تستطيع ان تلعب دور المحرك للاحداث كلما دقت و لكن فى سكون ، و مع كل دقة تشعرنى بأقتراب لحظة ما لا تأتى ابدا تذكرنى بكل لحظة مرت بى ، تؤرجحنى مع كل حركة بين ذكريات الماضى ، مجهول المستقبل الذى اعيش بينهما فى صمت تام ، صمت قاتل ، "للزمن مفعول سحر فى تقلب الاحوال" ، احوال البشر و الاشياء احوال الكون كله .
اليوم هو عيد ميلادى الرابع والثلاثون ، لم اكن اتذكر فقد فقدت منذ وقت طويل شعور الاحساس بالزمن، غير ان امر حياتى لم يعد يعير اهتمامى كثيرا ، لم اكن اتذكر كم من العمر قد مر بى و لكن منذ ان عرفت ، كما اننى لم اعد اشبه من يماثلونى فى العمر فقد اصبحت أمرأة بائسة عجوز باليه باهتة مثل هذا المكان الذى اسكنه ، فلم يعد لى من أمر افعله فى هذة الدنيا سوى الانتظار ..... الانتظار ليس اكثر ، فقط ما بات يجعلنى غير قادرة على التماسك هو ما مر بى من احداث فى هذة الدنيا لا استطيع انكاره او اخفاءه عن نفسى ، و هذا الحال الذى وصلت إليه بعض كل هذة السنوات ، لا ادرى كم تبقى لى فى هذة الدنيا ؟ و لا ادرى كيف يمكن ان استعيد ما فات ، فما فات لا يعود ابدا؟ .كيف وصلت الى هذة الحالة الآن و كنت اظننى سأقوم بالكثير ، كنت اظن ان حالى لن يكون هكذا يوما ما .
اليوم هو عيد ميلادى الرابع و الثلاثون .
منذ قليل كان هو من جعلنى اعود لأتذكر ، كان هو ذلك البائس الساكن مثل كل ما حولنا يائس منى و مثلى تماما ،لقد سيطر عليه هذا الزمن ايضا ، الزمن الذى وحده يملك القدرة على السيطرة على كل الاشياء تحت قوة مفعوله السحرى المستبد، بات كئيبا غريبا ...غريبا عنى ، لم اعد اعرفه ، و لم اعرفه من قبل ، لم اعد اريد ان اعرفه ، او ارغب فيه ، لا اريد ان اتذكر كيف التقينا و كيف بتنا هنا يحتمل بعضنا الآخر ، نجلس فى ترقب من فينا سينتهى قبل الآخر .لم تعد ملامحه كما هى ، لم يعد تلك الشمس المضيئة التى اضائت لى طريقا كنت اظنه سيخلصنى مما انا فيه ، كنت اضنه طريق المستقبل بالنسبة لى .
بتنا لا نجيد التصنع بالحب والعشق مثل ما كنا ،اصبحانا اثنان غرباء ، لا يعرف كل منهم الآخر ، و ربما يندم كل منا على انه تعرف يوما ما على الآخر، كانت تبدو الحالة واضحة منذ البداية و لكننا كنا نحاول ان نكذب انفسنا ، لنمضى معا فما كان لنا امر سوى هذا لبدىء طريق جديد ، اضننا وصلنا لنهايته بشكل سريع و قوي ، اثنان غرباء فى بيت غريب بشارع غريب و كئيب ، و بلاد غريبة، بلاد بعيدة ، بعيدة عن حقيقتنا تماما ، و لكن يبدو ان كل منا قد استسلم لحال الزمن و رضى ان يبقى فى انتظار حتى النهاية ، النهاية التى لا تآتى ابدا .
-اين كنتى لقد انتظرت على الباب طويلا ؟
-اين مفتاحك ؟
- لقد اضعته....
-................
-اين كنتى الم تسمعى صوت طرقات الباب؟
-...............
-هل اصاب الصمم اذنك و ابكم لسانك؟
-....................................
- لماذا لا تجيبى ؟ ها
حتى صوته تغيير ، صوته الذى كان فيه من الدفىء ما يكفى لاحيائى بعد ذلك البرد القارس الذى كنت اعيشه ، بات اليوم يشعرنى بالاعياء و الخوف الشديد كلما نطق بأى حرف
و بعد لحظة قاتلة من الصمت.
- ماذا بك ، لما لا تجيبى على؟
لقد ماتت رغبتى بالكلام ....فرغ لسانى من لذه التحدث ، بات ملجما غير قادر على النطق بالمزيد حتى اصابه الخرس و الصمت المقيت المسيطر على الكون من حولى ، لم يعد هناك المزيد لاتحدث عنه .
- هل اصابك الخرس؟
-اين الاقراص المنومة.
- فقط عنها تتكلمين ... لم تعودى تتحدثى إلى، إلا لتسألى عن الاقراص ، هل بت مدمنة.
- اخبرنى هل احضرتها
- لا لم احضرها.
- لما لا ، لقد بدأ مفعول القرص الاخير يذهب بعيدا ، و بدأ الصداع يملىء رأسى من جديد
ماذا سسس..أفعل الآن... لماذا لم تحضرها؟
-عليك ان تتخلصى من تأثير تلك المخدرة . فلم يعد هناك من يبيعها ، لانها خطيرة و غير قانونية.
- ماذا سأفعل الآن ؟
- عليك ان تفيقى قليلا من هذة الحالة
- ماذا سأفعل الآن؟
مضيت من امامه دون ان اضيف اى كلمه اضافيه ، " ماذا سأفعل الآن؟" ظللت ارددها الى ان دخلت الى هذة الحجرة ، مقبرتى الخاصة ، كنت ارددها حتى لا استمع إليه و بين كل سكتة كان يردد
-ها انت الأن كعادة كل يوم تدخلين الى غرفتك حين يبدأ اى حديث بيننا ، تكرريين تلك الكلمات ،انت لا تجيدين فعل اى شىء سوى هذا الذى تفعليه كل مرة ،الى متى ستظلين هكذا . لقد اصبحت امرآة بائسة ، عنيدة ، تائهة ، غائبة و غريبة ، الى متى ستكونى على هذة الحالة ، متى سينتهى هذا.
كنت احاول الابتعاد عنه و هو يردد تلك الكلمات التى تشبه حين تخرج من فمه طلقات الرصاص لتصيبنى بحالة من الزعر ، الذى يصيبنى فى كل مرة بنزيف حاد فى اعماقى ، يصعب على احتماله ، و تزيد من احساسى بالرغبة فى تلك الاقراص المخدرة التى تجعلنى اختبىء خلفها فى عالم ليس فيه سوى الهلاوس ، والوهم ، مما يبعدنى عن تلك الحالة من التذكر و التألم الدائم التى اعيش فيها . ربما اكرهه و اكره كلماته التى فيها من الحقيقة ما يجعلنى لا استطيع احتماله ، فمنذ وقت طويل اردت ان اخفى تلك الحقيقة عنى ، راحة و غياب عن ادراك الواقع الذى انا عليه الآن ، ماذا سأفعل الآن ؟ و على الرغم من محاولتى للتخلص من صوته بترديد ذلك السؤال الى اننى كنت فى داخلى لا اعرف ماذا سأفعل الآن فكان الامر يبدو فى البداية حيلة صغيرة الى انه فى الحقيقة سؤال يدور فى عقلى طوال الوقت لا استطيع التخلص من محاولة ايجاد حل عليه ، إشكاليه معضلة اقف دائما امامها دون جدوى و دون راحة ، كان حلى الوحيد فى ان اصاب بحالة من الغياب . فما بقى لى الآن سوى حالة من الغربة و الاغتراب عن نفسى و عن هذا المكان الذى ليس بينى و بينه يوجد اى شىء من التقارب .
فدخلت الى حجرتى البائسة الصغيرة احاول ان الهى نفسى اناقض حالى اوهمنى كما تفعل تلك الاقراص المخدرة و لكن بمجرد مرورى بتلك المرآة البائسة ، و انظر الى صورتى فيها لجده على حق تماما فيما يقول .
أمرآة بائسة تائهة غبية و عنيدة.
" اليوم هو عيد ميلادك الرابع و الثلاثون العاشر من مارس الا تذكرين هذا ايضا؟"
كان يعلم تماما اننى توقفت عن ترديد سؤالى ، و كنت اعلم انه الآن يحاول قتلى بتلك الكلمات ، لم اعلم كيف اختار هذة اللحظة تماما ، و التى كنت حينها اقف امام المرآة اتفقد حالى البائس ، انه يقصد ان يخبرنى بذلك حتى يصيبنى بالفزع لانه يدرك تماما ما هى الحالة التى انا عليها و يعرف تماما اننى ما عدت ارغب بتذكر هذا حتى لا يصبنى الانهيار ، فإنه يعلم منذ فترة اننى بدات اقلق كلما مر الوقت ، و يعلم تماما اننى اكره مرور الوقت . و اكره ان اعرف فى اى عام انا الآن حتى لا تتفجر داخلى تلك المشاعر المقلقة الخاصة بسنواتى التى مدت دون عودة . لقد بدأ ينفذ تلك الخطة القاتلة للتخلص منى سريعا ، قبل ان ينتهى هو ، ربما اراد بعد كل حالات التربص و الترقب بيننا ان يبدأ هو فى انهاء امرى قبل امره .
و لابقى انا امام مرآتى اتفقد هذة الصورة لى و التى لا تتغير إلا للاسوء ، أمرآة باهتة ملئت وجهها التجاعيد من فعل الزمن و الحياة بها ، عينان تشبه الموتى ووجه شاحب و روح تائهة ، و تلك الخصلات الرمادية التى باتت تخطو داخل الظلام فى رأسى لتسطع بنور وهاج يجعلها تبدو ظاهرة واضحة اكثر ، لتذكرنى هى الاخرى بكل ما فيه انا الآن و ما اصبحت عليه ، و ما لا اعرف ماذا يمكن ان افعل .
و بين دقات الساعة وجدران هذا المكان و بين احضان سريرى ، اضاجع الوهم و امارس فعلتى اليومية التى تندو بنفسى اكثر و اكثر، فيعلو صوت انفاسى محاولة الهائى عما يحدث لى فى هذا العالم فيشاركنى ذلك السرير بصوت ضعيف صادرمن هزاته المتلاحقة يحاول مجاراتى حتى استطيع النوم احول ان اجهد جسدى وعقلى بالهروب فى احضان النشوة من نفسى. داخل نفسى و بنفسى . و فى تلك اللحظة و حين تمر اصابعى الضعيفة بين خصلات شعرى الرمادية اعود فادركت الحقيقة ، فأعلم اننى حتى ما عدت املك تلك القدرة على الهروب و لو لوقت قليل قليل جدا فتخر قواى و سريعا ما انهار فأتوقف.لأبقى مثل جثة هامدة شاحبة الوجه منهكة القوى متلاحقة انفاسى مفتوحة عيناى تحلق فى سقف هذة الغرفة المتهالك فى ثبات تام ولكن لا يزال عقلى لا يتوقف فيغوص فى اعماق الافكار و الاسئلة اللا متناهيه دون نوم يتخبط بين سنوات الماضى و مجهول المستقبل نمضى و نجهل تماما ما سيحدث و يبقى السؤال فى داخلى يتكرر
- " ماذا سأفعل الآن؟" "متى ستأتى النهاية؟".
.يتبع.........
مرام عبد المقصود
10مارس2012
Mramahmed_88@yahoo.com
السبت، 8 أكتوبر 2011
مونودراما " مسار "

(
الثلاثاء، 8 يونيو 2010
خصلات رمادية
خصلات رمادية
جزء 1
كانت كل الايام تمر كعادتها دون جديد ، كل من حولى لا يزال يمارس عاداته اليومية التى تعود عليها منذ فترة طويلة و التى اشعر انها لن تتغير ، حتى انا فبالرغم من اننى لدى ما افعله من عمل ، وفى كل صباح استيقظ لاذهب اليه ، بدأت الان استشغر جمود الحياة ، و ثباتها الذى بدأ يحرك فى داخلى شعورا بالملل و الركود . و لكن المهم فى الامر و الذى جعلنى انتبه لتلك الحياة الراكدة .هى جارتنا التى تسكن فى نفس الطابق الرابع الذى نسكن فيه و فى الشقة المقابلة لنا تماما ، ففى يوم كنت قد استعدت للنزول الى العمل كعادتى ، ووقفت امام باب المصعد انتظر صعوده الى طابقنا و فى ذلك الحين خرجت تلك المرأة على غير عادتها ، تنتظر هى الاخرى قدوم ذلك المصعد ، عندما وقفت جارتنا بجانبى و قد كانت تلك هى المرة الاولى تقريبا التى اراها فيها عن قرب ، اخذت انظر اليها دون ان تلاحظ ذلك و لكن كنت ارى فيها غموض يحريرنى و اسئلة تدور حول تلك الحالة التى تعيش فيها تلك السيدة ، إن هذة هى مرة منذ قترة طويلة ارى فيها تلك السيدة خارج باب شقتها التى اعتدنا جميعا ان فيها من السكون و الركود ما يكفى ليجعلنا نتأكد انه ليس هناك من يسكنها ، الا اننى كنت دائما ما المح تلك السيدة و هى تتجول داخل شقتها من خلال النافذة الصغيرة التى توجد فى مطبخنا التى تطل على شقتها ، لتجعلنى اتأكد انها لا تزال جارتنا تعيش فيها ، كانت تلك المرأة لغز بالنسبة لى .
منذ ان اصبحت جدتى سيدة كبيرة و عجوز لا تقدر ان تعيش وحدها دون شخص يرعاها و قد كان الجميع من حوالى ، لا يهتمون الا بحياتهم الخاصة و قد انشغل الجميع عنها ، و كنت انا فى ذلك الوقت قد انهيت دراستى الجامعية و لكن لم اكن اعمل وقتها ، فقررت ان انهى تلك الخلافات و المشاجرات التى تحدث بين افراد عائلتنا على مشكلة من سيهتم بجدتى تلك المرأة العجوز ،و لكنى لم اكن اعلم وقتها ان الحال سيتغير حتى تلك اللحظة التى اقف فيها الان انتظر قدوم المصعد ، الا اننى بدأت ارى الحياة بمنظور جديد و اشعر ما فيها من اشياء قد اهملتها ، او تجاهلتنى بسبب ذلك القرار الذى جعلنى اتحمل مسئولية جدتى و رعايتها ، و قد القى على عاتقى كل من حولى المسئولية كاملة فى القيام بذلك الامر و كأنه واجبا قد فرض على ، لم اكن فى البداية ارفض ذلك بل عل العكس كنت ارى رغم صعوبة الامر اننى احب جدتى و هى الاخرى تحبنى و قد اهتمت بى منذ ان كنت صغيرة على عكس امى التى لم تكن لى اما حقيقية مثل جدتى ، فقد كانت كثيرا ما تهتم بشئونها ، و تلقى بمسئولتى على والدتها ، تلك السيدة التى كنت ارى فيها مثال للحنان و الحكمة .و منذ ذلك الوقت الذى اتيت فيه الى هنا و قد جاءت تلك السيدة بعد ذلك بقليل لتصبح جارتنا التى لم نعرف عنها الا القليل .
صعدت معى جارتنا الى داخل المصعد، و حين بدأ المصعد فى النزول كنت قد استسلمت لفضولى فى ان اعرف اكثر عن تلك السيدة التى لطالما شعرت فيها بشىء يجذبنى نحو رغبة فى ان اعرف ما يدور فى حياتها ، اخذت انظر اليها جيدا و اتأمل هيئتها و ملامحها التى بدأت رغم الصرامة و القوة التى بدت واضحة عليها الا اننى ارى في عينيها شىء من الحنان و الرقة يجعلنى لا اظن مثلما يعتقد الجميع من حولنا انها امرأة عجوز ربما تكون قد اصيبت بالجنون قبل ان تأتى الى هنا لذلك هى كارهة للجميع و لا تتحدث الى احد ، فقد كنت اسمع الجميع من حولى يردد تلك العبارات فى اوقات كثيرة عندما يتحدثون عنها ، و ذلك لمجرد انها لا تتحدث اليهم او لا تهتم بشئونهم و لا تتدخل فى امورهم التى فى الحقيقة لا تعنى اى شىء بالنسبة لها ، مما جعلها تصبح مثل امر غامض بل وحش يختبىء وراء الشقة المقابلة لنا ، كنت فى بداية الامر اشعر ببعض الخوف نتيجة لما لدى من مسبقات عنها ، و لكن حين اصبحنا معا داخل المصعد كنت قد تعودت على ملامحها التى كما ذكرت لكم تتسم بالرقة و الطيبة التى تخفيها وراء صورة صارمة قاسية ، و لكن كان كل ما بنته تلك الاقوال خلال السنوات السابقة بدأ غير حقيقى بالنسبة لى ، فهى ليست تلك المرأة العجوز التى على الاقل تشبه جدتى ، فهى على العكس تماما بدت تلك السيدة عند ملاحظتى لها انها شديدة الوقار و الثبات ، رغم عدم الاتزان الذى بالكاد يبدو واضحا على وقفتها او حركة يديها وملامح وجهها الهادىء ، و قد كانت ترتدى بذلة رمادية و قميص اسود يبدو عليهم التناسق و الاناقة الشديدة ، فهى اذن تهتم بأناقتها و مظهرها على عكس ما يبدو عليه المجانين او المرضى الا انها لا تضع لذلك اهتماما متزايد ، وبالرغم من التجاعيد التى ظهرت بوضوح على وجهها الى انها لم تبدو لى تلك الهيئة بفعل عامل الزمن او العمر انما بفعل شىء من اليأس و الوحدة . إن جارتنا قليلا ما كان يزورها بعض الناس الامر الذى كنت اراه ملحوظا و خاصة و انها تسكن امامنا فمن السهل ان نشعر بما يحدث لها .
و منذ ان تركت تلك السيدة عند باب عمارتنا و كل منا مضى فى طريقه ، لم أتوقف عن الشعور بأشياء لم اكن اشعر بها من قبل . اخذت افكر فى حياة جارتنا التى تتسم بالجمود و الثبات اكثر من غيرها ، فعلى الاقل لديهم ما يقومون به ، اما هى فلا تفعل فى حياتها الا امور بسيطة ربما ذلك الامر ما جعلها تبدو عجوز و تظهر عليها مظاهر الشيخوخة المبكرة كما رأيتها ، و الجميع يتجاهلها و يجهل ما قد يكون بداخلها من احاسيس او اشياء جعلتها تبدو بهذة الصورة الفظة الجافة مع كل من حولها تحاول حتى ان تتجنب حتى حارس العقار " البواب "، او حتى حين التقينا بأحد اطفاله فى طريقنا الى الخروج من العمارة فقد كانت تبدو مثل الشبح الذى يخيف تلك الاطفال عندما ينظرون اليه . و أخذت اتسائل لما تريد ان تبقى تلك السيدة بتلك الصورة ، الم ترى ان الناس جميعا يرون فيها ذلك .؟ اتجهل فعلا ام انها تبدو جاهلة ؟ بل هى تعلم بكل تلك الامور و بما يراه الناس فيها ؟ ، بدأت اشعر انها قد احتلت كل تفكيرى و اصبحت تصيبنى بالتوتر و التعجب ، فأنا اشعر ان فيها ما يشبهنى ، بل اخاف ان اصبح فى مثل هيئتها و انا الان لا يوجد من يهتم بى مثلها تماما ، فكلما نظرت الى حياتى لا اجد فيها سوى اعتنائى بجدتى و ليس هناك من جديد ، و كما اعرف ان قليلا من يأتى لزيارة جارتنا ، ايضا قليلا ما يأتى احد لزيارتنا ، اشعر و كأننا فى دائرة مغلقة حتى ان جدتى تبدو معنا فى داخل تلك الدائرة المغلقة التى لا يعير احد لها اهتمام ، و كأننا ثلاثتنا نسكن فى طابق تملئه الاشباح مما يخيف الزائرين فلا يقتربوا منه ، الا ان ما يجعلنى اخرج جدتى خارج دائرتنا ، انا قد كانت لها حياة من قبل وقد كانت فى يوم ما تشعر بالاهتمام و الرغبة فيها ، إلا اننى لازلت اشعر بالوحدة منذ وقت طويل جدا و كان ذلك احد الاسباب التى جعلتنى انطلق الى وحدتى مسرعة لاقيم مع جدتى ، فقد كنت دائما ما اشعر بالوحدة تجذبنى بل كانت اشعر بها اكثر عندما كنت اعيش مع عائلتى بين اب و ام و اخوة لم يعيروا لى من الاهتمام الا القليل و عندما يلاحظون وجودى بينهم ، الا اننى كنت دائما ما اشعر بالاغتراب وسط كل ما حولى من اشخاص و اشياء و اماكن ، لم اشعر يوم اننى حتى فى الزمن الذى يناسبنى .
انا لا اعرف لماذا الان انا افكر فى كل ذلك ، فأنا لم افكر من قبل فى كل هذا فقط كنت افعل ما كان يحدث لى ، لم اكن ارغب فى شىء قط ، بل اشعر الان اننى كنت اكبت كل ما كنت احاول ان افكر فيه او اطمح اليه ، احاول فقط ان اتجاهل ما على فعله لنفسى بل اهتم فقط بأن ارضى كل من حولى ، و لكن منذ ان رأيت جارتنا تلك المرأ ة التى كانت تمثل لى شىء خيالى جدا من الاشباح و الهواجس و حقيقتها عندما التقيت بها فى هذا اليوم تجعلنى اصاب بحالة من الذنب لمجرد اننى كنت اضع لها صورة لشبح قد يلتهمنى و يلتهم العمارة بكاملها ، اننى الان لم اعد افكر الا بنظرة اليأس و الهزيان التى كنت اراها واضحة على عينيها بالكاد تستطيع ان تخفيها وراء كبرياء يجعل حاجها يرتفع الى اعلى و عينيها تبقى مترقبة و على استعداد لصد كل من سوف يعترض ذلك الطريق المظلم التى تمشى فيه فى حياتها ، و التى لا تعرف له نهاية .
حاولت منذ صباح اليوم التالى ان افيق من هذة الهواجس و ان اخرج من حياة تلك السيدة البائسة و امضى فى حياتى كما هى الى اننى حين كنت اقف امام مرآتى فى الصباح و انظر الى نفسى ، لاحظت خصلة رمادية قد احتلت مكانا فى رأسى ، انا لم ارها من قبل ما هذا هل أصبحت عجوز دون ان اشعر ، إنه احساس غريب يجعلنى اصاب بالخوف بل بالهلع ، ماذا سيحدث الأن ؟
- هل على ان استعد لاتقبل نهاية حياتى ؟
- و لكن ماذا فعلت انا فى تلك الدنيا ؟
- ليس لدى من شىء كنت اريده ، او حتى حلم قد حلمت به من قبل ؟
- انه كان لدى ...احل.....؟
- انا لم يكن لدى احلااام من قبل ؟ ام اننى نسيتها بمرور الوقت ؟\
- و لكن هل مر الوقت بهذة السرعة ؟
- هل سينتهى بى الامر لاصبح وحيدة مثل جدتى و جارتنا البائسة التى يخافها كل الناس ؟
كم كنت اشعر فى تلك اللحظة التى كنت امسك فيها بتلك الخصلة اننى قد شخت و بدا عمرى و كأنه امرا ليس بالمهم كى يمر هكذا ، بل ليس فيه ما يجعلنى اقول كلمة " لقد انهيت رسالتى فى الحياة " اننى كنت كثيرا ما اسمع جدتى تقولها .
بدأت اشعر ان التجاعيد قد بدأت تغطى ملامحى و عنقى ، اننى اشعر و كأننى اتحول لاصبح مثل جارتنا الان ، كم اشعر بالذنب لمجرد اننى كنت اكرهها مما سمعته عنها و اشعر انه الزمان يعود الان و سوف يفعل الناس بى ما فعلوه من قبل مع تلك المرأة المسكينة الضعيفة .
لم انتبه الا اننى اضيع الوقت منى الا عندما انتابتنى حالة من الهلع و بدأت اشعر بالدموع و حرارتها و هى تتساقط من عينى دون سيطرة عليها بل دون ان احاول اللحاق بها ، فربما كانت تلك الدمعات هى اخر الدمعات التى سوف تنزل من عينى ، كنت اشعر بالوهن و الهزيان الشديد فى تلك اللحظات اخشى حتى ان اذهب الى عملى فربما التقى بأحد يرى تلك الخصلة البيضاء و يبدأ فى ان يظهر احساس من الشفقة على و على ما يحدث لى ، و ان حاولت صده سوف اصبح مثل جارتنا ابنى اسوارا خرسانية بينى و بين من حولى مما سيجعلنى ابدو على هيئتها و يخافنى الناس و يتركونى وحيدة كما انا الان ؟
و لكن انا ليس لدى من اصدقاء فى العمل و لا خارجه ليلاحظوا ذلك ، فأنا لم اكن ملحوظة من قبل و كأننى طيف لا يراه احد إلا رغبت انا فى ذلك ، بل يمكن ان ارى نظرات الشفقة و كأنها تمزقنى اكثر حين لا يتحدث الى عنها الناس بل يجعلون من ملامحهم ممثلا يقوم عنهم بهذة الدور و يوضح كل ما فى خفاياهم من اشياء ، حتى يشعرونى اننى اكثر وحدة و خوف من المصير الذى اشعر اننى اعرفه و اراه من خلال جارتنا البائسة .
و حينها قررت ان اقص تلك الخصلة لاتخلص منها تماما ، و بالفعل احضرت المقص سريعا و قصصتها ، و اعتقدت وقتها ان الهاجس الذى بداخلى قد انتهى تماما ، و لكن ظللت احمل بداخلى هاجس يؤرقنى نحو جارتنا التى اصبحت تحيطنى بدائرة مغلقة لا يمكننى الخروج منها ، و جعلتنى ارى حياتى من منظور اخر كنت اجهله تماما ، بل اشعر بالاشمئزاز لاهمالى له ، اتمنى ان اعيد ايام حياتى الماضية الى مرة اخرى حتى ادركها ، بدأت اشعر اننى قد تجاهلت حياتى مثلما تجاهلها الناس من حولى ، بل و كنت اول من فعل ذلك .
كنت بالكاد استطيع النوم ليلا من كثرة التفكير و الحيرة التى اصبحت فى داخلى، لا اعرف كيف اصل الى تلك الحالة من الامبالاة او التجاهل التى كانت لدى من قبل و كأننى كنت فى كهف مجهول و الان بدأت الشمس تخترقه من اكثر من مكان مما يجعل حقيقة فضاءه اصبحت تجعلنى اصاب بالوحدة و الرعب اكثر ، و كأننى كنت اعيش عمياء لا ارى شىء ، او انى كنت آله يحركها الجميع فى الاتجاه الذى يريدوه دون ان يدركوا اننى لست آله صماء بل انا املك عقل استطيع التفكير به و استطيع ان ادرك من خلاله حتى و لو كانت حقيقة الامر مرهقة و تجعلنى اصاب بالقرف و الاشمئزاز من تلك الحياة الباهتة التى اراها امامى الان ، ان حياتى حتى لا تملك لونا يوضحها او يجعلنى اصفها ، بل اننى مثل لوحة تتخذ إضاءتها او لونها من من يقف امامها من ظله الذى يغطى عليها و يجعلها لا تظهر الا ما اراد ان يرتدى هو .
- ان الوقت الان يبدو قاتلا بالنسبة لى ؟
- لا يمر مثلما كان ؟ و فى الوقت نفسه لست قادرة على اللحاق بركبه و المضى معه بشىء جديد
- اننى اتناقض الان و اشعر بالرغبة فى الصياح بما يدور داخلى ، و لكن اشعر ايضا ان من حولى لن يسمعونى ، بل اشعر اننى لم اعد امتلك من صوت ليخرج اليهم .
نمت بعد يوم طويل من التفكير الذى ارهقنى بشدة و بالكاد غفيت قليلا ، الا اننى لم اجد امامى فى النوم من فائدة ، كنت اريد ان اجعل كل دقيقة من الوقت تحت سيطرتى ، لا تمر سوى و انا احاول ان اصل لحلا لما اشعر به ، لذلك استيقظت فى ساعة متأخرة من الليل احاول ان التقت انفاسى بعد ان راودنى كابوس جعلنى لا اقدر ان اغلق عينيى ثانية و اغفو ، لذلك ذهبت الى المطبخ لاعد لنفسى بعض القهوة حتى تجعلنى قادرة على الاستمرار مستيقظة لفترة اطول ، و بالفعل دخلت الى المطبخ و لا تزال الافكار تحاوطنى من كل ناحية و زاوية ، و رائحة القهوة تشعرنى بالوحدة اكثر فقد كانت حادة و قوية تتغلغل فى اعماق انفى و اشعر بها الان فى صدرى و قد ملئته بالحدة و قوة التى جعلتنى اصاب بشىء من الرغبة فى الرفض لكل ما انا فيه و لكن ما هو الحل ، انا لا يمكننى ان اتحول هكذا و الا كانت نهايتى قريبة جدا ،
وقتها سمعت صوت غريب آت من الشقة المقابلة لنا و التى تسكنها جارتنا ، و خاصة و ان مطبخنا يطل على حجرة نومها فأن ما يجعلها بعيدة عنا بضعة مترات ليس اكثر ، لذلك استطعت ان اسمع صوتا غريبا ، و لا يبدو لى انه صراخ ، او نحيب بكاء ، بل كان الامر على غير ذلك تماما ، اننى اسمع همهمات و تنهيدات تشبه ......، انا لا اعرف ماذا تشبه و لكنها تثير فى داخلى احساس غريب جدا ، تجعلنى اشعر بشىء من الرهبة و الخوف ، و لكن فى نفس الوقت اشعر و كأننى اشعر بها فى داخلى انا ايضا ، تجعلنى اشعر بحالة من الإثارة الشديدة و الفضول ، بل اننى يمكننى ان اشعر انها مألوفة لدى ، و كما اخبرتكم انها ليست كصرخات تألم او تعذيب و لكن فى نفس الوقت يملءها التألم و الحاجة .
- اخذت اتسائل و لكن لا اجد حتى الان اجابة لما لدى من اسئلة و كأننى فقط فى تلك الفترة اجمع من الاسئلة الكثير و لكن .... اين سأجد الإجابة ؟
- و متى و كيف و من سيخبرنى بها ؟
- هل على ان ابحث فقط عن الاسئلة و اجعلنى احتار اكثر ام احاول ان اجد اجابة لكل ما يحدث من حولى ؟
بدأت وقتها ان اشعر ان تلك السيدة تملك لديها الكثير من الإجابات على اسألتى التى لا اجد لها اجابات حتى الان ، ان فيها من الاسرار ما يجعلها تبدو لى فى عالم آخر على اقتحامه و معرفه ما يحدث فيه ، رأيت فيها مصيرى القادم الذى اصبحت اتوقع حدوثة الان ، بل اعيش حتى الان لا اجد امامى من حل او إجابة تجعلنى لا استسلم لتلك النهاية المحتومة ، ان اصبح مع الوحدة و الالم طوال حياتى التى بقيت لى و التى لا اعلم هل يطول بقائى الان ام اقترب الامر كثيرا ؟
اخذت احاول ان الاحظ تلك السيدة البائسة و ما يحدث لها و لكنى لا اجد فيها من اجابات بل اصبحت اطرحها تلك الاسئلة اكثر و اكثر و تطرق على عقلى كم هى متناقضة و تصيبنى بحالة من التفكير الذى يؤدى بى فى النهاية الى التعب و الارهاق ، و كلما مر يوم على و انا على تلك الحالة و تلك السيدة امامى تزداد لغزا و غموض عن امس ، اصبح اكثر فضول و بحثا عن سر تلك السيدة التى اشعر ان وراء جدران بيتها سأجد حلولا لكل تلك الحياة التى اصبحت فيها . اريد ان اكشف ذلك القناع الذى ترتديه و تحاول ان تختبىء وراءه و لكنى حتى الان بالكاد الاحظ وجودها و خاصة انها لا تنزل من بيتها الا يوما فى الاسبوع فقط و لا اعرف الى اين تذهب و متى تعود و ماذا تفعل ؟ ، اشعر اننى اريد ان اعرف عنها اكثر و اتمنى ان اجد فى عالمها ما لطالما بحثت عنه منذ اصابنى التفكير و التعب .و زاد الامر بداخلى رغبة فى ذلك عندما وقفت بعد بعض ايام قليلة امام المرأة استعد للنزول و قد لاحظت ان الخصلة الرمادية التى قصصتها قد باتت ثلاثة و انا اكن اعلم ، و لانهى ذلك الهاجس قصصتهما دون تفكير و كأن ذلك كان حلا سحريا يخلصنى من ذلك التفكير فى هاجس اننى اكبر فى السن و لا اجد فى الحياة ما يروقنى او اشعر اننى عشت فيه حياتى التى اردتها و التى احاول ان ابحث عنها الان .و لكن كان بداخلى لا يزال هناك بقايا من ذلك الهاجس تخبرنى اننى قد مر العمر بى انا لازلت فى الخامسة و العشرون من عمرى ، ولا بل كانت تريد ان تخبرنى ان الوقت يمر بى سريعا و على ان ادرك اننى اقتربت من النهاية ، و لازلت لا اعرف اى شىء فى تلك الحياة عما سأفعله لنفسى ، عن احلامى و رغباتى التى تجاهلتها لدرجة اننى الان بالكاد استطيع ان اتذكر ان لدى اى رغبة فى تلك الدنيا . قررت وقتها ان ادخل الى هذا العالم الغريب الذى تحياه تلك السيدة البائسة و اعرف ما يدور فيه ، فربما ادرك ماهية الحياة و ما ابحث عنه بالفعل ، أو حتى استطيع ان اجد لنفسى مبررا للبقاء وحيدة مثلها لمدة طويلة كتلك التى قضدتها جارتنا و هى فى وحدة دون ادنى شكوى ، و لاعرف ايضا ما سر ذلك الصوت الذى اسمعه فى بعض الايام التى افيق فيها ليلا لأجلس وحدى و افكر ، و انا اعد قهوتى فى مطبخنا ، ماذا يحدث ان الفضول بات يقتلنى الان فى كل لحظة تمر ، بالكاد استطيع التوقف عن التفكير فى كل تلك الامور .
كنت فى بداية الامر اخشى ان الزم تلك السيدة و اراقبها فربما استطاعت ان تدرك ذلك فتنفجر فى وجهى و تصيبنى عاصفتها القوية بكثير من الجرح و الاحراج ، فما لدى من شىء اخبرها به ان اكتشفت اننى اراقبها او اقتحم حياتها دون رغبتها ، و لكن بات الامر ضروريا لى و لا اقوى ان اقاوم نفسى و انجرف وراء الحياة و ما كانت تجذبنى به من اشياء ليس لها قيمة ، و لا ارغب فى ان اضع قناع الامبالاة الزائف الذى كان يجعلنى مكبلة بقيود الحياة التى ليست فيها من شىء حقيقى الا ان الوقت يمر و الزمن يجرى من بين اصابعنا و أننا لم نستطع ان نلاحظ ذلك الا عندما يحدث .
كثيرا ما كان الامر يبدو صعبا بالنسبة لى فى البداية و خاصة اننى لم اراقب احدا من قبل بل لم اهتم بأن ارى ماذا يفعل الناس وما يحدث لهم ، انا فقط انفذ مسؤلياتى تجاه الاشياء التى اتكلف بها . و كذلك عملى الذى كان على ان اذهب اليه كل صباح و الذى كنت احاول جاهدا ان ابدو على مظهر لائق حتى لا الاقى نظرات الشفقة فى اعين من يعملون معى ، و هذا كان كثيرا ما بدأ يخيفنى منذ ان بدأت ادرك الحياة و ما فيها من معان قاسية و يائسة ، فأنا لم اهتم قط بمظهرى الذى كان يبدو عاديا بل اقل من العادى و لكن كان مريحا و لا يجعل من حولى يتحدثون عنى بعدما اذهب بعيدا عنهم .
بعد فترة تقريبا شهر و انا لازال اراقب جارتنا دون جديد يحدث لى و لها فى تلك الحياة الى اننى فى كل يوم يمر على اشعر اننى اصبحت ابدو اكثر اقترابا لتلك المرأة حتى فى هيئتها الصارمة الجامدة ، الا ان وحدتى بدأت تتجه نحوى بالمرصاد اينما ذهبت ، حتى اننى بدأت اشعر بالإهانة حين يطالبنى احد اقاربنا او ابواى فى ان افعل لهم شىء ، او حتى حين تطلب منى جدتى القيام بأمر كنت قد اعتدت القيام به ، ماذا الذى يسرى فى داخله و لا اعرفه و ما الذى يجعلنى اتمرد الان هل رغبة منى فى ان انحرف عن هذا الاتجاه الذى رسمه لى العالم من حولى ، ام خوفى من ان اكون وحيدة مثل جارتنا فى نهاية الامر و لا اجد من يسأل عنى مثلها تماما .
ان الامر يحرنى اكثر و يجذبنى نحو التفكير و البحث عن اشياء اجهل ما هى و اجهل كيف سأتعامل معها ، فأنا قليلا ما كنت اتعامل مع الاشياء التى تحدث حولى ، لكنى الان اشعر اننى كنت اتجاهلها و لا ارغب فى التعامل معها من قبل ،اخشى حتى اننى حين اهتم بتلك السيدة جارتنا ان يحدث لها من الاشياء ما تجعلنى لا اقدر ان اتعامل معها فربما اصابها مكروه او حدث لها شىء ما مثلها مثل جدتى ، و لكن من حولى يدرك ذلك غيرى ، اننى كما قلت اشعر اننا ثلاثتنا داخل دائرة مغلقة ، و كأننا نعيش فى مكان ملىء بالاشباح و الارواح المخيفة التى تجعل الناس تنفر منه و تبتعد عنه كلما امكنها ذلك .
جاء اليوم الذى كنت انتظره منذ شهر تقريبا و قد كانت تلك السيدة تستعد للخروج من بيتها و تذهب لمكان ما كنت اجهله و لكننى اعلم انها تنزل فى اول كل شهر ، فربما هى تحضر ما يكفيها للبقاء فى منزلها طوال تلك الفترة الطويلة و دون ان ترى العالم ثانيا لمدة شهر كامل .
و حينها استيقظت منذ الصباح و كأننى ذاهبة الى عملى احاول الا اجعل جارتنا تغيب عن عينى للحظة واحدة حتى لا اضيعها و لا اعرف الى اين ستذهب ، فنزلت سريعا الى سيارتى و قد كنت اعلم انها استعد للنزول من تلك النافذة التى تطل على غرفة نومها ، و التى يمكننى ان اعرف ما يجرى فيها بشكل شبه واضح ، و خاصة ان فى ذلك اليوم اسمع تلك السيدة و قد قامت باكرا تستعد للخروج الى عالمنا مثل باقى من حولنا ، و لكنى اليوم لست استعد للذهاب الى العمل بل لاذهب الى معرفة اشياء عن تلك الحياة البائسة التى لم اكن اعرفها من قبل و التى اعتقد اننى سأتعرف على بعض منها اليوم و انا ادخل فى عالم تلك السيدة اكثر ، انتظرت داخل سيارتى ما يقرب من نصف الساعة حتى رأيت تلك السيدة و قد كانت على نفس تلك الهيئة التى رأيتها فيها من قبل تنسدل على وجهها تلك الخصلات الرمادية التى تبدو واضحة من ذلك الايشارب الذى وضعته على رأسها ، ركبت سيارتها فى هدوء و رسانة و اتجهت فى طريقها ، و بدأت انا الاخرى فى التحرك ورائها ، احاول الا اجعلها تلاحظ وجودى خلفها الى اننى كنت من الصعب ان افعل ذلك و احاول ان اسيطر على تركيزى على الطريق .حتى توقفت جارتنا امام احد البنوك مما جعلنى اعتقد انها تأتى الى هنا فى هذا اليوم فى كل شهر لتحضر الاموال التى تعينها على الحياة . فهى لا تعمل و لا اراها تنزل فى يوم غير هذا لتفعل اى شىء ، نزلت جارتنا و لاتزال ملامحها مغمورة بالحزن و اليأس من تلك الحياة ، الا ان ذلك يعطى لها مظهرا جميلا و كأن فى داخلها شىء ما يجعلنى اشعر انها تقرب لى و تشبهنى بل اشعر فيها بذلك الحنان و العطف الذى كنت اريد ان ارى فيه امى و التى بالكاد تشعر بوجودى ، ارى انها تخفى جمالا و سحر خاصا ، لا تدركه او ربما تنازلت عنه و تجاهلته مثلما تجاهلت انا حياتى من قبل .
ربما انا اشعر بذلك لمجرد احساسى بالشفقة عليها و على ، و ربما لاننى اشعر اننا فى نفس الدائرة ندور ، انها تشبهنى فى كثير من الاشياء . ظللت افكر عن سبب يجعلنى اتخلص من كل ذلك الغموض و الفضول الذى يجعلنى ابقى وراء تلك السيدة لم احدد سببا ، و ربما تتغير اسبابى و علاتى ، و ربما اشعر بالمسئولية تجاهها فأنها وحيدة ليس لها من احد يرعاها اتمنى ان اجعلها تشعر بوجودى فى حياتها و اننى بجانبها و لكن كان ذل شبة مستحيل ، فأننى اخشاها رغم ما يبدو لى واضحا من الحنان و الرقة عليها . اخشى ذلك القناع الذى ترتديه و الذى لا يفارقها يوما واحدا .
و عندما عادت تلك السيدة الى سيارتها بدأت الاحظ ان التوتر و القلق قد بدأا يملئا وجهها الواهن بعض الشىء و بدأت رعشة يديها واضحة عليها و كأنها تخاف من شىء ما ، او انها تذكرت شىء ما اوربما حدث امر ما داخل البنك و انا لا اعرفه ، تركت حقيبتها على السيارة من الامام و اخذت تبحث فيهاعن شىء ما اعتقد انها مفاتيح سيارتها التى لم الاحظ وجودها فى يديها بعد ان خرجت من البنك ، مما جعلها تصاب بالتوتر و القلق اكثر و قد بدأت و كأنها ستبكى و قد كان كل ما يبدو عليها هو الخوف و الرعب .
مرت تلك السيدة الى الجهة الاخرى ثانية متجهة الى البنك الى اننى اخذت افكر ، فيما حدث ما الامر هى يمكن ان تنزل تلك الاقنعة و المكياج التى كانت تضعه السيدة من صرامة و قوة شديدة و تركيز عالى الى صورة اكثر ضعفا و هوان بكثير تجعلها ربما تبقى لمجرد انها لا تجد مفاتيج سيارتها ، و حينها شعرت بأن الاجابات بدأت تنهمر على ولكنها ما كانت الى مجرد استنتاج الا انه كان يريحنى بعض الشىء . ان تلك السيدة فيها من الضعف و العجز ما يجعلها تبقى مستيقظة و مستعدة لاى لحظة فى الحياة غير قادرة حتى على الخروج من بيتها لما فيها من هوان و ضعف قد يراه الناس فرصة للافتراس فى القاء كل المسئولية عليها حتى و لو كان الامر فى اشياء بسيطة ، الا ان ما فيها من عجز و ضعف يجعلها قشة من الداخل من السهل ان تجعلها تتألم و تبكى .و لكنى توقفت عن بدايية تلك الحالة التى تجعلنى اشفق عليها و بالكاد استطيع ان اخفى دموعى عنها و عن نفسى و التى ارى فيها صورة طبق الاصل مما يحدث لى الان الا اننى بنيت حول نفسى ذلك السور الخرسانى الذى عزلنى عن العالم لفترة طويلة و جعلنى اتظاهر بالقوة و المسئولية لكل تلك الفترة ، بل حتى اننى تنازلت عن كل احلامى التى تناست بمرور الوقت لمجرد عدم احساسى بالاحتياج و الرغبة التى لا يريدها من حوالى .
عادت تلك السيدة و قد بدأت تهدأ قليلا ، و حاولت الا يلاحظ احدا عليها شيئا من ذلك الضعف ، و خاصة ان قناعها الجامد الذى وضعته يجعل الناس من حولها تتجاهلها و تحاول الا تجعل لها وجود بينهم . تحركت جارتنا بسيارتها و حاولت ان تسيطر هى على ما بداخلها الا ان عدم التركيز بدى واضحا على قيادتها بعض الشىء ، و حاولت انا ان اسيطر على نفسى و اخفى ما على ان افكر فيه الان لمجرد التركيز فى الطريق و المضى مسرعا و راء جارتنا الغامضة . و بعد وقت قليل اجد جارتنا تنحرف عن الطريق لتقف بسيارتها امام احدى الاماكن العامة التى لم يكن هناك ازدحام كبير بها كعادة تلك الاماكن ، ظننت فى البداية ان تلك السيدة سوف تنزل و تجلس لتستريح قليلا ، الا انها ظلت فى سيارتها ، حتى اننى كنت قد نزلت من سيارتى ووخفت ان ترانى مما جعلنى اضطر الى ان اغيب بنظرى عنها قليلا فربما لاحظتنى و انا متوترة بعض الشىء و علمت بوجودى ، و بعد فترة و قد كنت اراقبها من خلال مرآة سيارتها الجانبية فقد كانت تركن امامى بمسافة ليست بالبعيدة بعض الشىء و لكنى حرصت على انها تكون مناسبة حتى اراها و لكن دون ان تعرف هى ذلك ، و بعد وقت رأيتها و هى تنظر فى ساعتها و كأنها تنتظر قدوم شخص ما او حدوث امر ما ، و فى هذة الاثناء رأيت عينيها و هى تتجه نحو الجهة الاخرى من الشارع و قد كان هناك شخص وحيد يحاول ان يعبر الشارع ، حاولت ان استرق النظر اليه و خاصة ان المكان ليس مزدحما لدرجة كبيرة ، حتى وجدت انه رجلا قد ملئت رأسه الخصلات الرمادية ، كنت اظن فى البداية انها على غير ذلك و خاصة اننى نظرت اليه من بعيد و قد كانت اشعة الشمس تلقى بضوئها عليه و قد بدا لى تشكيله الجسدى الذى يبدو عليه القوة و اللياقة و لكن ايضا استطاعت اشعة الشمس ان تسلط على خصلاته الرمادية نوع من الضوء الذى جعلها تبرق ببريق فضى يجعلها تظهر اكثر و شعرت وقتها انها تحيطه بهالة و كأنه يشبه الملائكة او القديسيين . و لكن الاهم ، هل هذا هو من تنتظره جارتنا ام ماذا ؟
و لذلك اردت ان اعرف ما يحدث الان و هنا اتجهت بنظرى نحو جارتنا من خلال المرآة مرة اخرى لاجد فى عينيها لهفة اللقاء و شوق يجعلها تتسابق مع نظرها كى تبقى فى انتظار ذلك الرجل حتى يأتى اليها ، و بالفعل بدأ هذا الرجل الانيق والذ ى يبدو عليه العظمة بل و الجمال و الفخر الشديد بالنفس يقترب من سيارتها .و لكن ما هذا الذى يحدث :
اننى الاحظ ان هذا الرجل لا يبدو عليه انه سوف يقابل شخص ما ، او انه فى انتظار شخص او حدث بل بدى الجمود و الملل واضحين على هيئته و قد كان اقرب لتظهر تجاعيد وجه الكثيفة و التى كانت تختفى وراء نور الشمس المنعكس على وجهه ، الا ان سخطه و عدم الراحة قد بدأا يظهران عليه الان و بوضوح و لكن عينية لا يبدو عليها الا الارهاق و الكبر ، و لا يبدو عليها لهفة اللقاء و التى الاقيها فى عينيى تلك السيدة اكثر من اللازم .و الان اصبح الرجل لا يبتعد عن سيارتها الا سانتيمترات و لا تزال ملامحه لا ترى من شىء جديد ، حتى تأكدت و ادركت انه لم يأتى للقاء تلك السيدة ، و ظننت فى البداية انه شخص عابر قد اثار اعجابها مما جعلنى افكر اكثر ، هل تظن تلك السيدة انها لاتزال مرغوبة حتى الان ، ام ماذا ؟ . و لكن الاغرب اننى لم اجد ذلك حقيقة حين رأيت هذا الرجل قد جلس على احد الطاولات الموجودة فى احدى الكافيهات الموجودة فى المكان من حولنا ، و حينها انتهت تلك السيدة من الاستعداد للنزول و قد لملمت اشيائها و عدلت من شكلها بعض الشىء حتى نزلت و جلست هى الاخرى فى الطاولة المقابلة له . و كان كل ما تفعله وقتها هو ان تنظر اليه و تشرب بعض القهوة من فنجان القهوة التى طلبته ، و كذلك هو الاخر .
لم اكن اراهم بوضوح و لا اعرف ماذا سيجرى فيما بعد ، الا عندما قررت النزو ل و الدخول فى عالمهم لاعرف ماذا سيجرى ، ماذا سيحدث بينهما ، فرغم ان ذاك الرجل يتجاهل تلك السيدة الا اننى اشعر انه يشببهها بل يعرفها ، و كذلك نظرات جارتنا اليه يبدو عليها ان هذا الشخص مألوفا لها و لكن لماذا لم تتحدث اليه ، لماذا لم تشير اليه حتى ، و لماذا هو لا يعير لها اى اهتمام .
جلست و طلبت قهوتى و لكنى حاولت ان اجلس بعيدا حتى لا ترانى ، اخذ تنظر اليه طوال جلسته التى لم تدم طويلا ، و لكن كان هو يبدو ان تلك المرأة بالنسبة له لا شىء على عكس تلك اللهفة و الحزن الذين يبدون و كـأنهم قد تملكوا تلك السيدة و اصبحوا يتحكموا فى كل افعالها التى بدا عليها الضعف الشديد و بعض الرعشة ، مما جعلها تحاول ان تسيطر على نفسها لقليل من الوقت و اخرجت من حقيبتها علبة سجائرها ، و دفتر و قلم ، لا اعرف لماذا أو ماذا ستكتب ، بدأت جارتنا و كأنها تفرغ ما فى داخلها من احاسيس فى ذلك الدفتر الذى بدا عليه انه ممتلىء بعض الشىء ، و كنت حين انظر لتلك السيدة و هى تكتب فى لهفة تسترق بين لحظة و اخرى بعض النظرات الى هذا الرجل الذى اشعر انه ملهما لها ، فتعود لتكتب و بقوى اكثر ، و لكنى كنت الاحظ ان عينيها قد بدت و قد لمعت ببعض الدمعات مما جعلها ترتدى نظارتها الشمسية بحجة اشعة الشمس .
بدأت الاسئلة تجتاح عقلى و احساس الشفقة يحتل مساحة كبيرة من تفكيرى
- ما الامر ؟ لماذا اختارت هذة المرأة هذا الرجل لتعيره اهتماما .؟ على غير عادتها
- هل يعرفها او تعرفه من قبل ؟
- هل تحبه ؟ ام انها فقط قد اثارها الاعجاب به ؟
- خاصة ان له سحر و جمال قوى يمكنه ان يبدو واضحا من خلال ثقته بنفسه التى تجعله يتجاهل الجميع من حوله ظننا فى انهما بلاحقونه بالنظرات .
هل يمكن ان تكون تلك السيدة تأتى الى هنا فى كل مرة فقط لتراه ، اننى كلما تأكد الامر بداخلى نحو ذلك جعلتنى اشعر اكثر بالبؤس و الشفقة ، خاصة حين تأتى عيناه نحوها و لكن دون ان يلاحظ وجودها .
ظلت جارتنا تكتب و تكتب و فى داخلها من قلق و حيرة يقتلاها ، تحاول السيطرة على ما يحدث لها ،اخذ الوقت يمر و كل منا ثلاثتنا داخل دائرة صغيرة تملئها القهوة و الخصلات الرمادية التى بت انا امتلكها ايضا ، و ربما كنت فى هذا اليوم قد اعتدت عليها فإننى لم اكن افكر فى وجودها و انا وسط تلك الدائرة ربما لاننى اجد ما يشاركونى فيها و على الرغم من ابتعادهم عنى ان الاغتراب فيما بيننا فى المكان ، الا ان بيننا اشياء تبدو مشتركة بل وواضحة ، لا يمكن ان ننكرها ، اننى اشعر فى جارتنا و ذلك الرجل بألفة كنت من الصعب ان اشاهدها حتى من اقرب الناس لى فى عائلتى .
اخذت افكر و الافكار تنطلق الى قلبى رويدا رويدا ، و باتت كثير من الاسئلة تحتل جزء كبير من تفكيرى ، بين تناقضات و اشياء اجهلها تماما و امور تخصنى و امور اخرى اراها تحدث الان ، ما الامر ، و ما تلك الحياة التى نعيشها ، بل صار داخلى سؤال كنت اخشى ان اتذكره من قبل و هو : لماذا انا لم احب من قبل ؟
ان لهفة تلك السيدة و ما بداخلها من شوق و حب واضح على كل ما تفعله و على كل ما تبديه جعلتنى افكر فيما فى داخلى من جمود و خيبة امل ، ادركت اننى الان قد اصبحت شخص وحيد لا يملك حتى اى شىء يبقى من اجله . و اخذت افكر
- انا حتى لا املك فى الحياة من لهفة او شوق للبقاء بعيدا عن شخص ما و لكن يجذبنى نحوه الكثير و الكثير .
- ليس لدى ادنى شعور بالامل الذى يبدو على جارتنا واضحا رغم مرور الوقت و الزمن فرغم حزنها و يأسها فهى لا تزال متعلقة بوهم " حب ذلك الرجل " او حتى الاعجاب به ، او حتى التفكير فيه .
- انا لم اعرف الحب من قبل
- لم اكن اعلم اننى اعرف كيف احب او اشتاق الى شخص ما .
- و االاخطر من ذلك اننى لم افكر ان احب من قبل ، او ان اشعر باشياء تحدث بداخلى تجاه شخص ما .
حاولت ان اسيطر انا الاخرى على ما بدأ يسرى فى داخلى و ما بدأت اتذكره من احلامى التى اضعتها من قبل .و عدت مرة اخرى لأراقب ما يحدث الان ، لأجد ذلك الرجل و هو يشير الى الجارسون و يبدو انه سوف يذهب ، دفع الحساب و قام سريعا ، جارتنا هى الاخرى تذهب لدفع الحساب فى الداخل سريعا ، و تحاول اللحاق به ، انتظرت حتى انتهت هى من دفع الحساب و ذهبت دون ان تلاحظنى، و حاولت ان ايبقى نظرى عليها و لكنى توقفت للحظة - كانت تلك اللحظة قد اثارت داخلى الدهشة الشديدة - فقد وجدت جارتنا تحاول ان تبقى الى جانب ذلك الرجل و لو للحظة واحدة ، انها تحاول ان تكون اقرب ما يكون اليه ، هل تحاول التحدث معه او لفت انتبابه و لكن ارى انها لا تفعل شىء سوى امر غريب حتى انها اخذت تهرول على غير عادتها لتبقى لتلك الحظة فى قربه مما جعلنى اظن فى البداية انها سوف تتحدث اليه و لكن ما وجدت سوى تلك السيدة لا تشعر الا بالسعادة الشديدة و كأنها فى قمة النشوة فى عالم آخر غير الذى نعيش فيه ، تحاول ان تستنشق الهواء الذى زفره هو ، و كأنها تحاول ان تخزنه بسرعة ف داخلها قبل ان يذهب و قد اغلقت عيناها للحظة ويبدو ان كل التشنج و العصبية التى كانوا يحتلوها و لا يفارقوها قد رحلوا بعيدا فى تلك اللحظة و بكل سهولة على غير عادتها حتى غادر الرجل المكان و لا تزال هى تحاول ان تلملم ما بقى منه من هواء و حيز و كأنها تجمعهم لتحتفظ بهم لما بعد ذلك و رغم مرور تلك اللحظة كلمح البصر الى انها جعلتنى افكر فى اشياء جديدة و غريبة عنى لم اكن افكر فيها من قبل ، و كأننى اشاهد مشهد فى قمة الرومانسية و الخيالية ، اننى اشعر ان تلك السيدة قد مضت الى عالم اخر غير الذى نعيش فيه الان ركبت سيارتها بعد ذلك هو الاخر قد ركب سيارته و بدأ يتحرك ، لذلك كان على ان اسرع لابقى خلهم ، و بدأنا نحن الثلاثة فى المضى قدما كل منا يبحث عن شىء ما ، و لديه هدفا يريد ان يلحق به و الذى لا اعرف منهم سوى هدفى فى ان اعرف الحقيقة .
و بدأت الان ان افكر فى كل شىء يحدث من حولى و كأننى انا الاخرى قد اصبحت فى عالم غريب و جديد عنى لم اعيش فيه من قبل ، بل لم اكن اعلم ان هناك فى هذة الدنيا من اشياء مثل التى اراها ، ربما تكون غير مفهومة او غير حقيقية الا انها تثير فى داخلى مشاعر حقيقية تحركنى نحو شىء ربما اجعل ما فيه و ما سيؤدى بى فى نهايته الى اننى اشعر و كأننى امتلك اشياء فى داخلى لم اكن اعرفها من قبل ، انها الحياة و ما فيها من بؤس و شقاء يبدو واضحا على تلك السيدة جارتنا و ما يمر بها من ملل ، الا انها تحاول ان تمر من بين كل تلك العثرات حتى و لو للحظات بسيطة .
و أخذت اسأل نفسى :
- هل تهون الدنيا و ما فيها و ما بدأ يدب فى داخلى لمجرد اشياء بسيطة تحدث مثل التى اراها الان .
- كيف تكتفى تلك المرأة بمجرد لحظة تبقى فيها بجانب ذلك الرجل و من يكون لها حتى تفعل له ذلك .
- فربما تكون قد افنت حياتها بأكملها من اجل امر كهذا و لماذا ؟؟
- هل هذا ما يطلق عليه الحب او الرغبة ؟
- هل املك انا الاخرى مثل تلك الاشياء التى لا اراها الا فى كلمات من حولى حين يتحدثون عما يمرون به فى حياتهم .؟
و رغم اننى شعرت المرأة تملك الكثير من الامور الخاصة التى شعرت بالفعل اننى امتلك بعضا منها الا اننى لا اعرف لماذا قد تخزنت فى داخلى طوال تلك المدة الطويلة ، هل هذا عيب فى او عيب فيمن حولى ، مثل حالة تلك السيدة البائسة و علاقتها بذلك الرجل المجهول بالنسبة لى حتى الان الامر الذى يجعلنى اريد ان اعرف اكثر ، و اعرف ان كنا نحن من نقرر لانفسنا مثل تلك الحياة ام انها تفرض علينا ، ام انها قدر علينا ان نعيشه ، و ربما تكون حياة قد بنيناها نحن لانفسنا بمرور الوقت و الزمن تراكمات و اشياء تتراكم فينا يبنى عليها مصارنا و مصيرنا فى تلك الدنيا .
اخذنا نمشى فى طريقنا ثلاثتنا و قد كانت جارتنا لازال خلف ذلك الرجل و يبدو انها قد امتهنت مهنة المراقبة مثلى الان ، انها تشبهنى حتى فى مراقبة الاشخاص و رغم اختلاف الغاية ، لا اننا لانزال متشابهتان ، و ظللنا على تلك الصورة حتى اوقف الرجل سيارته امام عمارة و نزل منها و كأنه يسكن هنا كما يبدو عليه من راحة و سكينة و كأنه سيصعد الى ملجأه حتى يستريح ، مضى الرجل فى طريقه و قد انتظرت جارتنا حتى اطمئنت انه قد صعد تماما ثم ذهبت ، و قد كانت فى حالة يرثى لها بعض الشىء حتى ان التوتر قد بدى واضحا على طريقة قيادتها لسيارتها و الانحرافات التى تنحرف بها سيارتها عن الطريق حتى انها بدأت تؤثر على حركة سير السيارات من حولنا ، فى تلك الاثناء بقيت انا متيقظة لحدوث اى شىء حتى اننى فى بعض الوقت كنت اشعر انها ربما تنحرف نهائيا عن الطريق او يصيبها اى مكروه ، و كان بداخلى سؤال يؤرقنى : ماذا سأفعل وقتها ؟
و لكن سرعان ما زال ذلك السؤال عن رأسى حين بدأت السيدة تهدأ قليلا و انحرفت بالفعل عن الطريق الرئيسى الى احد الشوارع الجانبية و التى لا يبدو ان هناك فيها من اناس كثيرة تسكنها خاصة اننا فى مدينة 6 اكتوبر و ليس هناك من عدد كبير كما ان الوقت الان لا يزال مبكرا ليجعل الزحام يبدأ ، و هنا ركنت السيدة سيارتها و انتظرت انا بعيدة عنها قليلا لارى ماذا ستفعل و لكن دون ان تدرك وجودى ، فوقف امامها ببضع امتار ، اعتقدت ان المسافة كافية حتى لا ترانى .
بدأت انظر من مرآة سيارتى الداخلية اراقب ما سيحدث ، ظننت فى البداية انها فى حالة من الانهيار مما جعلها تقف و تهدىء من نفسها ثم تعود مرة اخرى لحالتها الطبيعية ، و بالفعل ادركت انها تبكى الان ويبدو ان صوتها قد على كثيرا و لكن زجاج سيارتها كان يجعلها معزولة عن العالم من حولها و لكنى كنت الاحظها جيدا حتى انهارت على عجلة القيادة ثم مدت يديها و كأنها تقوم بتشغيل موسيقى تهدىء الاعصاب ، ثم استراحت على مقعدها و قد اسندت رأسها الى الخلف و اغمضت عيناها .
و هنا بدأت ارى امور اخرى تحدث لا اعرف لها من تفسيير فأنا لا اعلم ما الذى تقوم به تلك السيدة الان ، الا اننى ارى انها تنظر حولها جيدا ثم تعود لتستريح فى جلستها و قد بدأت ان تلمست خصلات شعرها البيضاء و قد بدأ الايشارب ينسدل من على رأسها ، و قد بدأت تتدرج فى لمستها حتى اخذت فى لمس خدها و قد اغمضت عينيها و كأنها تستعد لتقبل شىء من الراحة حتى مررت يديها على رقبتها ثم .................................................، تعجبت كثيرا و قد بدأ قلبى يدق بشدة من الفضول و القلق الذى يكاد يقتلنى ، اننى بدأت ادرك ان شىء ما يحدث ، انها تفعل شىء اراه لاول مرة ، و لكنى استشعر ان فيها شىء من الرغبة المكبوتة التى ادت بها الى تلك الحالة من الثورة الجامحة انها و كأنها تشتغل رغبة فى شىء ما لم اعرفه من قبل و لكنى اشعر به بفطريتى و خاصة حين بدأت تتلمس شفتيها و كأنها فى حالة من النشوى ، انها تنحرف عن عالمنا و قد بدأت تدخل فى عالم آخر حتى ااننى بدأت اشعر انها تدرك وجودها فى الشارع ووسط الناس ، انها لا تشعر بشىء سوى بما تمارسه من لمسات و رغبات تحاول ان تفرغها و لكن بطريقة تبدو مثل رجل و أمرأة يتبادلان القبلات و الاحضان بل الامر اكثر من ذلك بكثير و قد كان جسدها يبدو و كأنه قد تحرر من شىء ما ، بل و كأنها تقوم برقصة التحرر من كل القيود التى تحيطها ، و لكن ما تلك الطريقة التى تفرغ بها كبتها ، اننى اشعر بالانهيار ، و قد بدأ احساس من الشفقة و الاشمئزاز يسريان فى عروقى و قد بدأت عيينى تنهمر منها دموعها و كأنها صنبور مياة لا نستطيع إحكامه ، لم استطع البكاء على تلك الحالة التى جعلت تلك السيدة تصل الى هذة الدرجة من الوحدة و ادركت و قتها تلك الهمهمات التى كنت اسمعها من نافذتها التى تطل علينا و علمت وقتها انها قد غاصت فى وحدة جعلتها لا تبقى فى الحياة معنا الا قليلا ، و لكنها تحيا حياة اخرى لا تعرف لها نهاية و لا بداية سوى انها تجعلها تشعر بوجودها و هى تلك الدنيا و العالم السحرى التى تستطيع من خلاله ان تشبع كل ما فيها من رغبات و جموح فيه و لكن وحدها دون اى شخص يساندها او يشاركها فى ذلك .
ما تلك الحياة و ما هذة القسوة التى تقسو بها على من يعيش فيها .
اننى لازلت لا اعرف ما سر تلك الحياة التى نحياها و رغم اننى بدأت اكتشف حتى سبب وجودى الا اننى لازلت ابحث و لا اعرف من اى مكان او زمان ابدأ ، من اى وقت و من اى قيد انطلق ، و لكننى على ان اتحمل قرارى فى البحث عن حقيقة خصلاتى الرمادية التى بدأت تلون خصلات شعرى التى لم اعد استطيع السيطرة عليها ، و لحظتها انهرت من البكاء و اخذت ابكى فى حرقة شديدة حتى خفت رأسى على عجلة القيادة من شدة التعب . الى اننى حاولت العودة مرة اخرى و فى تلك اللحظة وجدت جارتنا تقف امامى بسيارتها و قد رسمت على وجهها ملامح من الخوف و الرعب و أخذت نظر الى فى توتر شديد داخل سيارتها و التى اوقفتها الى جانب سيارتى تماما ، و رغم انها كانت ستقول لى اشياء كثيرة او حتى رغبت فى ان توضح لى ما حدث الى اننى لم اجد لديها من الكلام الا الصمت و الترقب و قد حدقت عيناها نحوى دون كلام الا ان طارت بسيارتها مسرعة بصورة كبيرة ،و وقتها دق قلبى بسرعة شديدة و لم استطع التحرك خلفها و قد كشفت امرى و قررت وقتها الا اعود الى البيت الان حتى لا اصتدم بها فربما كان الامر اصعب مما اتصور ، الا لا اعرف الان ماذا سأفعل ؟
هل اقبل المواجهة التى اجهلها تماما و لا اجيدها ؟
ام على ان اواجه نتيجة ما فعلته فربما اتحدث الى جارتنا عن كل ما يؤرقنى او نجد من حل ؟
ان الامر شديد الصعوبة على الان ؟ اشعر اننى قد وضعت نفسى فى موضع من الاحراج الشديد ، بل ربما اكون سببا فى صدمة لتلك السيدة العجوز ، لكنى لازلت اريد ان اعرف الحقيقة ، اريد ان اعرف تلك الحياة التى لم احياها ، اننى لا اعرف ماذا سيحدث الان ؟
و بعد مرور وقت كاف ، و بعد ان هدأت من روعى قليلا ، بدأت فى التحرك و لكن لا اعرف ماذا سيحدث ؟ و ماذا على ان افعل ؟
-
يتبع ...... بقلم مرام أحمد